فصل: (سورة النمل الآيات: 45- 53):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- الكناية في ارتداد الطرف:
في قوله: {قبل أن يرتد إليك طرفك} كناية عن الاسراع، والطرف هو تحريك أجفانك إذا نظرت، فوضع موضع النظر، ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف وصف برد الطرف ووصف الطرف بالارتداد وعليه قوله:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا ** لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر ** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وهذان البيتان لأعرابية نظرها أعرابي فخاطبها بشعر يسألها عن أحوالها ومحاسنها كأنه يراودها عن نفسها فأجابته بذلك وقيل هو لشاعر حماسي، وشبه إطلاق البصر نحو المناظر الجميلة بإرسال الرائد أمام الركب يتعرف لهم مكان الخصب على طريق الاستعارة التصريحية ورائدا ترشيح للاستعارة ويوما ظرف له.
2- السر في التشبيه:
وفي قوله: {كأنه هو} تشبيه مرسل عدلت إليه عن مقتضى السؤال، ومقتضاه أن تقول: هو هو لسر دقيق جدا وذلك ان {كأنه} عبارة من قرب الشبه عنده حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين فكاد يقول هو هو، وتلك حال بلقيس ولما كانت هكذا هو عبارة جازم بتغاير الامرين حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير فلهذا عدلت إلى العبارة المذكورة في التلاوة لمطابقتها لحالها.
3- التجنيس:
وهو تآلف الكلمتين في تأليف حروفهما وهو هنا في قوله: {وأسلمت مع سليمان}.

.الفوائد:

1- قصة الصرح:
هذا ونلخص ما يروى من قصة الصرح لانها قصة شعرية مجنحة الخيال فقد روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره ووضع سريره في صدره فجلس عليه، فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد إغراقها وتعجبت من كون كرسيه على الماء ولم يكن لها بد من امتثال الأمر فكشفت عن ساقيها والمقصود من ذلك كله اختبار عقلها وارهاصها بالمعاجز لا ما يروى أنه قيل له انها شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار مما لا يتلاءم ووقار النبوة وترفعها عن الصغائر.
2- هل تزوج سليمان بلقيس؟:
قيل تزوجها بعد ذلك وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له، وقيل بل زوجها ذاتبع من ملوك اليمن ويقال لهم الأذواء لأن أعلامهم تصدر بكلمة {ذو} والمراد صاحب هذا الاسم.

.[سورة النمل الآيات: 45- 53]:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53)}.

.اللغة:

{اطَّيَّرْنا} وتطيرنا: تشاءمنا والطائر هنا: ما تيمنت به أو نشاءمت والمقصود هنا الثاني، كان الرجل يخرج مسافرا فيمر بطائر فيزجره فإن مر سانحا تيمن وإن مر بارحا تشاءم فلما نسبوا الخير أو الشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر اللّه وقسمته أو من عمل العبد، وقد مر هذا في سورة الأعراف فجدد به عهدا.
{الْمَدِينَةِ} البلد من أخذها من مدن بالمكان يمدن إذا قام فيه فهي فعلية والجمع مدائن بالهمز والميم أصلية والياء زائدة، ومن أخذها من دان يدين فالميم زائدة والياء أصلية وهي مفعولة ويقال دنت الرجل ملكته ودنت له خضعت له وأطعت ويقال للأمة مدينة لأنها مملوكة، قال الشاعر:
ثوت وثوى في كرمها ابن ** مدينة يظل على مسحاته يتوكل

وفي معاجم اللغة: مدن بالمكان يمدن من باب نصر مدونا أقام وهو فعل ممات ومدن المدينة أتاها ومدّن المدائن بالتشديد بناها ومصرها، وتمدّن تخلق بأخلاق أهل المدن وانتقل من الهمجية إلى حالة الانس والظرف، وتجمع المدينة على مدن بسكون الدال ومدن بضمها ومدائن، والمدينة علم أطلق على يثرب ومدينة السلام بغداد والمدائن مدينة قرب بغداد كان فيها ايوان كسرى وسميت بالجمع لكبرها والنسبة إليها مدائني.
{رَهْطٍ} الرهط قوم الرجل وقبيلته وعدد يجمع من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه وجمعه أرهط وأرهاط وجمع الجمع أراهط وأراهيط، وإذا أضيف إلى الرهط عدد كان المراد به الشخص والنفس نحو عشرون رهطا، أي شخصا، ويقال نحن ذوو رهط أي مجتمعون وفي المصباح الرهط ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وسكون الهاء أفصح من فتحها وهو جمع لا واحد له من لفظه وقيل الرهط من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر وقال أبو زيد: الرهط والنفر ما دون العشرة من الرجال.
وقال ثعلب أيضا: الرهط النفر والقوم والمعشر والعشيرة معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم وهو للرجال دون النساء وقال ابن السكيت:
الرهط والعترة بمعنى ويقال: الرهط ما فوق العشرة إلى الأربعين قاله الأصمعي ونقله ابن فارس أيضا ورهط الرجل قومه وقبيلته الأقربون وسيأتي مزيد بحث عنه في باب الاعراب.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} كلام مستأنف مسوق لتقرير القصة الثالثة أو الرابعة إذا استقلت قصة النمل عن قصة سليمان وبلقيس، وهي قصة صالح. واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وأرسلنا فعل ماض وفاعل والى ثمود متعلقان بأرسلنا وأخاهم مفعول به وصالحا بدل من أخاهم أو عطف بيان وأن مصدرية وهي ومدخولها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض ويصح كونها مفسرة لأن الإرسال يتضمن معنى القول واعبدوا اللّه فعل أمر وفاعل ومفعول به.
{فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} الفاء عاطفة وإذا فجائية تقدم القول فيها وهم مبتدأ وفريقان خبر وجملة يختصمون نعت لفريقان على المعنى نحو قوله تعالى: {وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} لأن كل فريق يضم جماعة.
{قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} يا حرف نداء وقوم منادى مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة ولم اللام حرف جر وما اسم استفهام حذفت ألفه لدخول الجار، والجار والمجرور متعلقان بتستعجلون وبالسيئة متعلقان بتستعجلون وقبل الحسنة ظرف متعلق بمحذوف حال والمراد بالسيئة العذاب وبالحسنة الرحمة كما سيأتي.
{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لولا حرف تحضيض بمعنى هلا وتستغفرون اللّه فعل مضارع مرفوع والواو فاعل ولفظ الجلالة مفعوله ولعلكم ترحمون لعل واسمها والجملة خبرها.
{قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} اطيرنا فعل ماض وفاعل وأصله تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى النطق بالساكن لأن المدغم ساكن دائما، وبك متعلقان باطيرنا وبمن عطف على بك ومعك ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة من والجملة مقول قولهم.
{قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} طائركم مبتدأ وعند اللّه ظرف متعلق بمحذوف هو الخبر والجملة مقول قوله وبل حرف إضراب فقد أضرب عن بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي اليه وأنتم مبتدأ وقوم خبر وجملة تفتنون نعت لقوم.
{وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} الواو استئنافية وكان فعل ماض ناقص وفي المدينة جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان المقدم وتسعة اسمها المتأخر ورهط مضاف اليه وسيأتي بحث تمييز العدد مفصلا في باب الفوائد وجملة يفسدون صفة لتسعة ولا يصلحون عطف على يفسدون، وسيأتي سر قوله ولا يصلحون في باب البلاغة.
{قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} تقاسموا فعل أمر أي احلفوا، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا وحينئذ يجوز أن يكون مفسرا كأنه قيل: ما قالوا؟ فقيل: تقاسموا، ويجوز أن يكون مع فاعله جملة في محل نصب على الحال أي قالوا متقاسمين بإضمار قد والتقاسم والتقسم كالتظاهر والتظهر التحالف، لنبيتنه: اللام واقعة في جواب القسم ونبيتنه من البيات، وقد تقدم معناه في مكان آخر، فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به أي لنباغتنه ليلا، وأهله الواو عاطفة وأهله معطوف على الهاء ويجوز أن يعرب مفعولا معه فتكون الواو للمعية.
{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ} ثم حرف عطف للتراخي واللام موطئة للقسم ونقولن تقدم اعراب مثيلتها ولوليه متعلقان بنقولن أي الذين لهم ولاية دمه، ومهلك مفعول به وهو إما مصدر ميمي أو اسم زمان أو اسم مكان وقرئ بضم الميم وفتح اللام على أنه من الرباعي وأهله مضاف اليه وإنا الواو عاطفة أو حالية وإنا ان واسمها واللام المزحلقة وصادقون خبر إن.
{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} الواو عاطفة ومكروا فعل وفاعل ومكرا مفعول مطلق ومكرنا مكرا عطف على الجملة السابقة والواو حالية وهم مبتدأ وجملة لا يشعرون خبر.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} الفاء استئنافية والكلام مستأنف مسوق لبيان ما يترتب على مكرهم المبيت وتآمرهم الدنيء فإن البيات مما يستكره، ويروى عن الإسكندر أنه أشير عليه بالبيات فقال ليس من آيين الملوك استراق الظفر أي من عادته وطرائقه.
وكيف خبر كان المقدم وعاقبة اسم كان المؤخر والجملة في محل نصب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بانظر المعلقة عن العمل بالاستفهام وإنا جملة مستأنفة ولذلك كسرت همزة إنا وقرئ بفتحها على أن المصدر بدل من العاقبة أو خبر لمبتدأ محذوف وان واسمها وجملة دمرناهم خبرها وأجمعين تأكيد لكل من المعطوف والمعطوف عليه أي صالح وأهله المؤمنين به وكانوا كما يروى أربعة آلاف.
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الفاء عاطفة والجملة معطوفة على ما قبلها مقررة لها وتلك مبتدأ وبيوتهم خبر وخاوية حال من بيوتهم والعامل فيها معنى الاشارة وبما ظلموا متعلقان بخاوية وما مصدرية والباء للسببية أي بسبب ظلمهم وإن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام المزحلقة وآية اسمها ولقوم صفة لآية وجملة يعلمون صفة لقوم.
{وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ} فعل وفاعل ومفعول به وجملة آمنوا صلة وكانوا يتقون عطف على آمنوا فهو في حيز الصلة وكان واسمها وخبرها.

.البلاغة:

1- التمام أو التتميم:
في قوله: {ولا يصلحون} فن التمام كما سماه قدامة في نقد الشعر وابن رشيق في العمدة وابن عساكر في الصناعتين، أو التتميم كما سماه الحاتمي، وقد تقدم ذكره في البقرة والنحل، ونعيد تعريفه مختصرا هنا وهو أن تأتي في الكلام كلمة إذا طرحت منه نقص معناه في ذاته أو في صفاته ولفظه تام فإن قوله: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض} شأنهم الإفساد البحت وقد كانوا كما يروى عتاة غلاظا وهم الذين أشاروا بعقر الناقة لمراغمة صالح وإثارة حفيظته ومنهم قدار بن سالف المشهور بالشؤم وقد تقدم ذكره، ولكن قوله يفسدون في الأرض لا يدفع أن يندر منهم أو من أحدهم بعض الصلاح فتمم الكلام بقوله: {ولا يصلحون} دفعا لتلك العذرة أن تقع أو أن يخالج بعض الأذهان شك في أنها ستقع وبذلك قطع كل رجاء في إصلاح أمرهم وحسن حالهم.
2- المشاكلة:
في قوله: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا} فن المشاكلة وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته لأن اللّه تقدس عن أن يستعمل في حقه المكر، إلا أنه استعمل هنا مشاكلة وهو كثير في القرآن ومنه {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} واللّه تعالى وتقدس لا تستعمل في حقه لفظة النفس، أما مكرهم فهو ما بيتوه لصالح وما انتووه من إهلاكه وأهله، وأما مكر اللّه فهو إهلاكهم من حيث لا يشعرون على سبيل الاستعارة المنضمة إلى المشاكلة، فقد شبه الإهلاك بالمكر في كونه إضرارا في الخفاء لأن حقيقة المكر هو الإيقاع بالآخرين قصدا وعن طريق الغدر والحيلة، وقد تقدمت قصة إهلاكهم في الشعب.